موسيقى

المالوف: جزائريون يفضلون الجمع بين الطرب وبهجة الأداء

المالوف…ماذا تعرفون عن هذا الطابع الموسيقي الأصيل؟

رغم أنها فنّ عَصِيٌ على العديد من المُطربين الشّباب، لما تتطلّبه من دراسة لأبجديات الغناء، وموهبة في الآداء، وحتى تحكّم جَيدٍ في اللغة.

إلاّ أنّ أغنية “المالوف” أصبحت خلال السنوات القليلة الماضية واحدة من بين أكثر أنواع الموسيقى التي يرغب الجزائريون عامّة، والقسنطينيون خاصّة في إحياء أعراسهم بها.

فيما يُسمى بـ”المالوف العراسي” أو “العصري”.

حاولت “عرسي.كوم” الغوص في تاريخ هذا الفن، الذي تحوّل إلى إرث أندلسي مشترك بين بلدان المغرب العربي.

والذي ظلّ يُحافظ على أصالته، في عصر تنوع الطّبوع المُوسيقية، مثلما بقي محبوبا ومرغوبا فيه من طرف الجزائريين.

 إرث أندلسي يجمع بين بلدان المغرب العربي

يُعتبر هذا الطابع من أحد أبرز أنواع الموسيقى الأندلسية الكلاسيكية التي انتشرت، ليس في الجزائر فقط، ولكن  في المغرب العربي الكبير.

فن ذو إسم مشتق

اِسمه مُشتق من كلمة “مألوف” وتعني “وَفِيٌ للتقاليد”.

ويُعتبر الموسيقي الشهير زرياب الأب الرُوحي لهذا الفن الذي يُعتبر تطورًا طبيعيًا لفن الموشحات الأندلسية.

حيث مَزَج بين موسيقى البربر والإسبان والتصوف الإسلامي في لون واحد، واستقرّ في بلاد المغرب (تونس والجزائر والمغرب).

كما أن البعض يُؤرخ لأغنية “المالوف” ببداية الموشحات الدينية التي اِبتكرها أحد شعراء الأندلس في أواسط القرن التاسع عشر.

وهو مقدم بن معافي القبري، إذ دخل إلى الفن الغنائي مجموعة من الشُعراء والمُطربين والموسيقيين الموهوبين الذين أضافوا للقصائد القديمة. وطوّروا قصائد أخرى جديدة نقلت المدائح النبوية من الأوساط الشعبية إلى القُصور الملكية.

ورغم رُجوع هذا الفن إلى أصل واحد وهو المجتمع الأندلسي، فإنّ أسماءه تختلف من بلد إلى بلد ومن مدينة إلى أخرى في منطقة المغرب العربي.

ذلك أنه يسمى بـ”الآلة” في المغرب، و”الغرناطي” في كلّ من وجدة وسلا وتلمسان ونواحي غرب الجزائر، و”الصنعة” في العاصمة الجزائرية، و”المالوف” في قسنطينة وتونس وليبيا.

فنون النظم في فن “المالوف” وآلاته الموسيقية

تتكون مادة “المالوف” النظمية من الشعر والموشحات والآزجال، والدوبيت، والقوما.

مع ما أضيف لها من إضافات لحنية أو نظمية محلية جمعت بينها دائرة النغم والإيقاع، وما تمت استعارته من نصوص وألحان مشرقية.

وتعتبر “النوبة” أهم قالب في “المالوف”، حيث يحتوي هذا الطابع على 24 “نوبة” نسبة إلى ساعات اليوم، ولم يتبق منها سوى 12 “نوبة”، بسبب عدم التمكن من الاحتفاظ بكل النوبات التي تمّ تناقلها شفهيا فقط.

وهناك مجموعة من الآلات الموسيقية المُستعملة لآداء أغنية من هذا الطابع العريق، منها في النوبات التقليدية وهي: الغيطة وهي آلة نفخية.

وآلات رقية من جلود الحيوانات منها :

“النوبة”، وتُستعمل في الموكب المولدي، وتحلّ محلها داخل الزاوية الطبلة “الدربوكة” و”الطار” الذي يُسمى بالندير العيساوي.

كما تؤدى النوبات في الفرق بمجموعات موسيقية وهي تضم من الآلات الوترية: العود والكمنجة والقانون، والقرنيطة والناي.

وآلات إيقاع الرق الشرقي والطبلة، كما يقف من ثلاثة أو أكثر بالبنادير خلف المجموعة الصوتية.

ثلاثة مدارس في “المالوف” الجزائري

في الجزائر تأثرت موسيقي “المالوف” بالمناطق التي تجذرت فيها هذه الموسيقي، حيث برزت ثلاث مدارس مختلفة:

  • منها مدرسة تلمسان بالغرب الجزائري التي تنسب نفسها إلي غرناطة بالأندلس.
  • ومدرسة الجزائر العاصمة التي تنسب نفسها هي الأخرى إلي قرطبة.
  • ومدرسة قسنطينة التي تنسب نفسها إلي إشبيلية.

ويَعتبر البعض قسنطينة، عاصمة الشرق الجزائري، رائدة في هذا النوع الموسيقي بفنانيها وفرقها المعروفة.

كما أن “المالوف” القسنطيني يتفرّع بدوره في هذه المدينة لعدة طبوع منها العيساوة وما يعرف بالفقيرات والوصفان.

ويحوي “المالوف” القسنطيني، عكس نظيره التونسي مثلا، على الحركات الخمس للنوبة، وهي:

المصدر، البطايحي، الدرج، الانصراف والخلاص، كون “المالوف” في الشرق الجزائري.

هو مخاض اجتهاد محلي لإيجاد طابعه الخاص، لأنّ جغرافية المنطقة (قسنطينة) بعيدة نسبيا عن أعرق مدرسة وهي تلمسان.

وصنعت تاريخ أغنية “المالوف” في الجزائر أسماء كثيرة أبرزها:

الشيخ حسونة، الشيخ براشي، الشيخ التومي، محمد الطاهر الفرقاني، سليم الفرقاني، جمال بن سمار، عبد الحميد فرقاتي، مراد فيلالي و يزيد خرواطو.

دون أن ننسى محمد ضرباني بن ثابت، مبارك دخلة، أحمد عوابدية، العربي بوعمران عبد القادر، طارق معلم، والشيخ الدرسوني.

 الجديد حبو والقديم لا تفرط فيه” !

هي المقولة الشعبية التي تنطبق على الجزائريين الذين لا يزالون يُحافظون على هذا الطابع  كأحد أنواع الموسيقى الأكثر طلبا.

فرغم رواج طُبوعٍ أخرى عصرية، غربية ومحلية، إلاّ أنّ مكانة “المالوف” محفوظة، وذلك بسبب تجذّره في الثرات الجزائري.

بين الواجه الديني و الدنيوي

ويتكوّن هذا الفن من قسم دنيوي يتغنى هذا الفن بالطبيعة وجمال المرأة والحب والفراق ضمن قصائد الشعر.

وآخر ديني متصل بالمدائح الدينية الصوفية، حيث يُستخدم هذا الفن في حفلات الزفاف، وأيضًا في تشييع جنائز شيوخ الزوايا الصوفية ومريديها.

وفي السنوات الأخيرة، ظهر هذا الفن كبديل للعديد من الطبوع الموسيقية الإيقاعية، المنتشرة في الأعراس، كما لو كان “تصالحا للجزائريين مع تاريخهم الفني” .

وشجع ذلك انتشار ما يسمى بـ”المالوف العراسي”.

وهو “المالوف” المحافظ على أصالته من جهة، ولكنه يتميّز بخفة الإيقاع، ما يجعله مناسبا للحفلات والأعراس.  

No Comments

    Leave a Reply